ليس من الحصافة تجذير التخاوف الاجتماعي بين مكونات الشعب الموريتاني تحت أي يافطة، لما يحمله ذلك من مخاطر فك روابط المواطنة التي تتجاوز البنى الضيقة لضمان الانسجام و التآلف الاجتماعي الذي يتطلبه بقاء الدولة الوطنية القادرة على تحقيق السلم و التنمية والديمقراطية.
وحتى لا أطلق الكلام على عواهنه، فقد يكون من التجاوز على السلطة و الأحزاب السياسية أن تكون مع سبق الإصرار والترصد تنسج خيوط الفتنة لضمان سلم هش للسلطة أو أن القوى الحزبية تريده لسلم مكون معين أو غرض انتخابي مؤقت، فكل هذه القوى تدرك البيئات التي كانت السبب في زوال الدول.
إن مايستوجب الخوف هو هذه الممارسة السياسية التي تنتهجها السلطة والقوى الحزبية التي يطبعها التخندق في القوالب الضيقة فالتعيينات والترقيات تخرج من مشكاة القبلية و الجهوية و الشرائحية، وهو نفس النهج الذي تبنته غالبية الأحزاب السياسية التي تحولت إلى أحزاب أهلية، تفرز ترشيحاتها و مواقفها من نفس القوالب ما أفقد البعض الأمل في الأحزاب كقوة بديلة للسلطة أو على الأقل جهة قادرة على حمل همومه وتطلعاته.
لقد أنتجت تلك السياسة حالة من الالحاد السياسي لدى نخبة المجتمع، و ضربت الخطاب المدني في الصميم، ليتراجع مفسحا المجال لحالة من التيه السياسي، افرزت واقعا انتخابيا بات بالإمكان من خلاله بدون عناء معرفة تمثيل كل مكون في المؤسسات التشريعية و الجهوية و البلدية من خلال خطابات التفاخر ، ولربما نتفاجأ بدعوات تقاسم السلطة التنفيذية على أساس تمثيلهم التشريعي، او الشروع في تعطيل عمل المؤسسات الوطنية.
إن هذا الواقع يحمل في طياته كل ميكانيسم البنى الأهلية، وما يتهددها من مخاوف الانقسام و الإقتتال، فهل ستنجو الدولة من الظاهرة الانشطارية وقد زرعت بذورها في كل المستويات و على كل الاتجاهات!؟
إن الحديث المجتزأ عن السلم المدني من سياقات نشأة الدولة، و التطور الاجتماعي و قيام المؤسسات الحزبية المدنية، هو سباحة في بحر العواطف و النعرات و خيانة لأمانة بناء الدولة الوطنية.
الشيخ سيدي احمد حيده