تواجه موريتانيا منذ أشهر وضعًا معقدًا حيث تهدد تحديات اجتماعية واقتصادية وأمنية كبرى استقرار البلاد. ورغم أن الحوارالسياسي يظل مكونًا أساسيًا لتحقيق حوكمة شاملة ومستدامة، إلا أنه لا يبدو أولوية حالية أمام المشاكل الملحة التي تزداد تفاقمًافي المجتمع الموريتاني.
وصل انعدام الأمن الحضري اليوم إلى مستويات مقلقة في عدة مدن بالبلاد، خاصة في نواكشوط. حيث تتزايد حالات الاعتداءات،والسرقة، وأشكال أخرى من الجريمة، مما يعرض أمن المواطنين للخطر ويؤثر على جودة حياتهم. هذه الوضعية تتفاقم بسبب:
• غياب استراتيجية فعالة للأمن العام.
• نقص في الوسائل المناسبة لضمان سيطرة فعالة وردعية.
• عدم كفاءة المؤسسات الأمنية التي تبدو عاجزة عن التعامل مع حجم المشكلة.
أصبحت المخدرات مشكلة متنامية في موريتانيا، حيث ارتفعت بشكل مقلق نسبة استهلاكها بين الشباب. ويؤثر هذا الوضع بشكلخاص على الفئات الهشة، بما في ذلك الأجانب في وضعية غير نظامية الذين يجدون في هذا النشاط مصدرًا سهلًا للدخل.
التداعيات:
• تدهور الصحة العقلية والجسدية للشباب.
• زيادة الجرائم المرتبطة بالاتجار غير المشروع.
• ضياع مورد بشري هام كان من الممكن أن يساهم في تنمية البلاد.
للأسف، تبدو الدولة عاجزة أمام هذه التهديدات المتزايدة، بسبب سوء الحوكمة الذي يتجلى في غياب التنسيق والموارد والإرادةالسياسية لمعالجة هذه المشكلة بجدية.
تواجه موريتانيا تدفقًا كبيرًا من المهاجرين، غالبًا في وضعية غير نظامية. هذه الهجرة غير المنضبطة تساهم في:
• الضغط على البنية التحتية الحضرية المحدودة أصلاً.
• زيادة المنافسة على سوق العمل غير المنظم.
• انتشار الشبكات غير القانونية التي تستغل الوضعية الهشة للمهاجرين.
تبدو السلطات غير قادرة على وضع سياسة هجرة متماسكة من شأنها تنظيم هذه التدفقات وحماية حقوق الإنسان الأساسية.
إن انعدام الأمن وانتشار المخدرات ليسا سوى أعراض لمشكلة أعمق وهي الفقر الواسع الانتشار.
• ارتفاع معدلات البطالة.
• محدودية الوصول إلى تعليم جيد.
• عدم كفاية الرعاية الصحية وتدهور ظروف المعيشة.
يساهم سوء الحوكمة في تفاقم هذه الظروف. حيث تفتقر السياسات العامة إلى التنسيق، والمتابعة، والأهم من ذلك، التشاور معالسكان المتضررين.
يقع سوء الحوكمة في قلب هذه المشاكل بسبب:
• غياب رؤية استراتيجية واضحة.
• المركزية المفرطة في اتخاذ القرارات.
• استبعاد المجتمع المدني من عمليات اتخاذ القرار.
• انعدام الشفافية والمساءلة.
هذا القصور في الحوكمة لا يمنع فقط من معالجة التحديات المذكورة بشكل فعال، بل أيضًا يضعف الثقة بين المواطنين والدولة.
على الرغم من أهمية الحوار السياسي في حل النزاعات المؤسسية وتعزيز الحوكمة، فإنه من الواضح أن الأولوية الحالية يجب أنتُمنح لهذه القضايا العاجلة المرتبطة بالأمن والصحة العامة والهجرة غير المنضبطة والفقر وسوء الحوكمة.
لمواجهة هذه التحديات بشكل فعال، يجب أولاً التركيز على:
• تعزيز أمن المدن من خلال تحسين آليات الأمن العام وتنسيق المؤسسات بشكل أفضل.
• مكافحة تجارة المخدرات عبر سياسات الوقاية والعقاب والتوعية الموجهة للشباب.
• تنظيم تدفقات الهجرة عبر آليات فعالة للمراقبة والإدماج الاجتماعي.
• تحسين الحوكمة من خلال تبني إصلاحات تشجع الشفافية والمساءلة والمشاركة المدنية.
• الحد من الفقر عبر سياسات تنموية شاملة تتماشى مع الحقائق المحلية.
إن محاولة إعطاء الأولوية لحوار سياسي دون معالجة هذه المشاكل الملحة قد يؤدي إلى تحويل الجهود والموارد بعيدًا عن القضاياالحقيقية التي تهدد استقرار البلاد ومستقبلها.