أمام بوابة قصر العدل في العاصمة انواكشوط اليوم 25/1/2023؛ كانت أول أجزاء المشهد تعكس إلى حدما ما يجري في قاعة محكمة الفساد داخل قصر العدل.
شاب ثلاثيني حوله خمس سيدات يستميت في الدفاع عن الرئيس السابق ؛ وهو يحتل جزء من الطريق العام ؛ دون أن تتدخل شرطة حفظ النظام أو تمنعه من التعبير عن رأيه.
غير بعيد شباب فوق العشرين فردا يحملون صور الرئيس السابق وقد لطخت بلون غامق يطالبون بمحاكمته واسترداد ثروات الشعب منه ومن الثلة المتهمة معه بالفساد.
بحثت عن اسمي في لائحة المأذون لهم بالدخول فوجدته ؛ كان الازدحام يزداد رويدا رويدا عند بوابة قصر العدل.
على بوابة قاعة المحاكمة عشرات المحامين بزيهم الأسود ؛ تستطيع تحديد أعمارهم وعدد القضايا التي مرت بهم ؛ من بقية الشعر الأبيض المترامي على رؤسهم ؛ وحضور الصلع بقوة في واجهة الرؤوس؛ بعضهم جاء للدفاع عن الدولة والشعب ؛ وآخرون تقاسمهم المتهمون كدفاع.
كانت ساندريلا اللبنانية منخرطة في نقاش جانبي مع المحامي السنغالي ؛ وقد تحلق المحامون في حلقات كطيور البطريق التي على وشك أن تغطس في البحر بحثا عن الغذاء .
عند المدخل كان للشرطة رأي آخر ؛ فالإجراء الامني إلزامي وشامل ؛ وكانت أجهزة الكشف تطلق طنينها وكأنها تعزف سميفونية معلنة عهدا جديدا في موريتانيا يقف فيه رئيس سابق مع اثنين من رؤساء حكوماته السابقة ووزاء ومدراء وأقارب للرئيس السابق تهمتم الفساد.
في قاعة المحكمة كان قفص المتهمين يسار الحضور ؛ وكان على مايبدو قد جهز بمقاعد مناسبة ؛ كان المتهم ولد امصبوع يجلس على يسار المتهم محمد ولد عبد العزيز في لقطة سريالية تجمع الرئيس السابق مع صهره في قفص الاتهام ؛ وعلى يمين عزيز جلس الوزير الأول السابق محمد سالم ولد البشير لترى بعده الوزير الأول السابق يحي ولد حد أمين ؛ ثم الوزير السابق ومدير سركة اسنيم السابق ولد وداعه ؛ ثم بقية المتهمين في حلق دائرية في قفصهم الحديدي الموصد.
وفي مقدمة القاعة حشد المحامين من دفاع واتهام .
كان ولوج الناس للبوابة بطيئا بسبب الآجراءات الأمنية ؛ لكن الجلسة بدأت.
دخلت ساندريلا متأخرة ؛ وسبقها إعلان رئيس المحكمة لمسطرة ضبط القاعة ؛ ثم بدأ النداء على المتهمين بأسمائهم للتأكد من حضورهم
المتهم رقم واحد محمد ولد عبد العزيز ولد اعلي ؛ وقف المتهم ورفع يده مؤكدا حضوره ؛ وتوالى نداء المتهمين حتى وصل للمتهم محمد الأمين ولد بوبات الذي لم يكن موجودا ؛ وسأل رئيس المحكمة :هل حضر محام يمثل المتهم ولد بوبات فلم يرفع أحد يده ؛ فاعتبر ولدبوبات فارا من وجه العدالة وذكر وجود مذكرة لإلقاء قبض عليه.
ونادى باسم هيئة الرحمة المحالة لمحكمة الفساد فلم يتقدم أي ممثل لها.
وانتقل إلى طلب لوائح الدفاع من المحامين عن المتهم الاول ؛ كانت ساندريلا مع محام آخر هو جعفر ولدبي هما من تواجد في القاعة لحظتها ؛ وطلبا تسريع إجرات دخول البقية.
ثم تقدم المحامون عن بقية المتهمين ؛ كل باسمه واسم وكيله.
قاطعت متابعتي للمشهد سيدة فرنسية كانت تجلس في الصفوف اليسارية المخصصة للنساء حين تقدمت إلى مشتكية تأخر حضور مترجمها وقدمت نفسها على أنها مراسلة جين آفريك ؛ وتحتاج مساعدة في الترجمة ؛ لخصت لها ماسبق من اجراءات ؛ وقاطعنا ضابط القاعة بأمرها بالعودة لصف النساء ؛ أشرت عليه بالاقتراب مني لشرح وضعها ؛ وذهب وعاد بتوجيهات تسمح لها بالجلوس في صف الرجال ؛ لكنني أحلتها للصف الذي أمامي واقترحت على رجل خمسيني جلست بجواره أن يترجم لها مسار المحكمة وأحداثها ففعل.
كان رئيس الحكمة صارما وهو يدير لغط المحامين ؛ وكان خيار تقديم لوائح بأسمائهم أفضل من قراءة الاسماء أمام المحكمة والجمهور.
حاولت ساندريلا مقاطعة رئيس المحكمة مطالبة بإدخال بقية فريقها ؛ فقال لها دعيني أكمل الإجراء وسيتولى الوكيل الامر.
لم تفهم كلامه فمرت بجانبي في حالة انفعال وكأنها منسحبة ؛ لكن أحد المحامين لحق بها وسمعته يقول لها لاتنسحبي غيابك غير مقبول ؛ ورئيس المحكمة لم يرفض طلبك ؛ فعادت على مضض ؛ ويبدو أنها مولعة بالاستعراض .
علق رئيس المحكمة الجلسة 15 دقيقة ؛ فانخرط المتهم محمد ولد عبد العزيز في حوار مع بعض محاميه من خلف قفص الاتهام ؛ وكان قد غير موقعه في القفص ليقترب أكثر إلى المحامين ؛ وكان بصحة جيدة ؛ وخرجت لأجد أمام محكمة الفساد حشدا كبيرا من المحامين يرفضون المرور عبر إجراءات التفتيش الأمني ؛ فقلت لأحدهم أعرفه جيدا ؛ أنتم تبالغون في انتقاد أي خطإ إجرائي وتصنعون منه جبلا من الطعون المتهافتة ؛ فكيف ترفضون إجراء أمنيا هو لصالحكم جميعا وصالح الحضور في المحكمة.
ولم استوعب استنكاف المحامين عن اجراءات أساسية وقانونية لحماية أمن الجميع!
قررت المغادرة تاركا خلفي مشهدا موريتانيا جديدا في طور التشكل .
إنه مجرد يوم اجرائي طويل لمحاكمة سيكون لها مابعدها.
لقد بدا جليا أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني اختار شعبه وبلده وقيم الجمهورية عن كل الروابط الشخصية مع الأشخاص مهما كان عمقها.
المستشار عبد الله ولدبونا
الحرية نت